الجمعة، 21 نوفمبر 2014

مقالة للكاتب حسن عصفور

متى تنتهي "خدعة الجزيرة" بـ"الرأي الآخر"!

كتب حسن عصفور/ مع أن هناك الكثير لا زال متابعا للقناة القطرية الاعلامية "الجزيرة"، بكل تفرعاتها، الا أنها فقدت كثيرا جدا من "بريقها"، وقبلها "مصداقيتها"، ليس للسياسي فحسب بل للمواطن العربي الذي اجبرته تطورات الأحداث في المنطقة العربية، خلال السنوات الثلاث أن يعرف ويتعلم ما لم يكن متاحا له طوال عشرات السنين، وسريعا ادرك بوعيه الفطري "الغث من السمين" في المشهد، رغم كل الآضاليل السياسية التي حاولت وسائل اعلام محددة تمريرها تزويرا لحقائق لم تعد غائبة عن الإدراك..
لكن الأهم للفلسطيني، أنه يبجث وضع نهاية لتلك "الخدعة السياسية" التي تمكنت القناة القطرية، من تمريرها على المشاهد العربي بكل أطيافه، ودرجه وعيه، تحت مسمى "الرأي والرأي الآخر"، عندما فتحت الباب واسعا لموقف الكيان الاحتلالي ليصبح جزءا من المشهد الاعلامي العربي، واصبح حاضرا في اي مناسبة، وقلما تجد نشرة أخبار أو تقرير أو برامج لتلك القناة، وغيرها تخلو من ممثل لدولة الاحتلال..
 وقد كانت أطراف تأسيس القناة القطرية تعلم يقينا الرسالة السياسية المراد منها تمرير الخدعة – الكذبة الأكبر في المشهد الإعلامي العربي، وكانت من بين ابرز أهداف القناة الاخبارية السياسية – الفكرية، وجزءا من "شرط التكوين"، حيث كانت نصيحة شمعون بيريز للأمير حمد والد الأمير تميم بإنشاء "قناة اعلامية" تكسر الروتين الاعلامي الرسمي العربي، ويمكنها أن تصبح "سلاحا مدويا" للإمارة القطرية لتعزيز نفوذها، والذي لم يعد مقياسه مساحة الدول أو تاريخها، بل المال والاعلام هما من يمنح الدول قيمتها في العصر الراهن، وضرب بكيانه مثالا..
وقد كان، جاءت الفرصة دون عناء او وقت كبير للتحضير، بعدما تم ايقاف العمل لانطلاق تلفزيون "بي بي سي" العربي بعد خلاف بريطاني – سعودي، فوجدت الامارة ضآلتها في تلك "التركة" اجهزة وافراد، لتشتري "كنزا علاميا" ليصبح اساسا لـ"فتح اعلامي" جديد لقطر ووبمشاركة استشارية من مدير عام وزارة خارجية الاحتلال ديفيد كمحي وانطلقت القناة، باسم له دلالة غاية في التأثير، "الجزيرة"، في صحراء الاعلام العربي الرسمي..
ونجحت نجاحا مدويا كقناة اخبارية مستغلة كل ما في الواقع من كوارث سياسية اعلامية، لكنها منذ البدء كان لها ثوابت لا فكاك منها، عدم الاقتراب كليا من الوضع الداخلي القطري، بما فيه الوجود العسكري الاحتلالي الأميركي، وقواعده المخابراتية على المنطقة، ودوره في خدمة الأمن الاسرائيلي، كما أنها تعمل على اعادة تبيض صفحة "الجماعة الإخوانية" كمقدمة لتمرير المشروع الأميركي القادم في المنطقة العربية، بهدوء الى أن تتيح فرصة التنفيذ ليكون للجماعة الدور الأبرز في مسار القناة الاعلامي..
وثالثا منح دولة الكيان حضورا اعلاميا هو الأول من نوعه عربيا، تحت مسمى "الرأي الآخر"، وأدخلت الصوت الاحتلالي اعلاميا الى كل بيت عربي، تحت مفاهيم متعددة..
ورابعا بث كل ما يمكن بثه لاشاعة أجواء الفرقة وتشويه الدول ذات الثقل بأي صيغة تتاج..
وتمكنت من استغلال حالة "الفقر الاعلامي – الاخباري" في الواقع العربي، فقفزت قفزة كبيرة لتكون الوسيلة الاعلامية الأهم للمواطن العربي، الذي كان يحتاج بعضا من "الحقيقة"، وقدم مقابلها تنازلات لم يكن يعلم أنها جزءا من تمرير أخطر مشروع استعماري لتقسيم المنطقة، وتفتيتها الى "حجيرات عربية"، تمنح دولة الكيان وحليفها السري مكانة اقليمية لتسيطر على الواقع العام، ضمن "تحالف سري" مع دولة غير عربية في اطار هيمنة سياسية اسلاموية تحت العباءة الأميركية..
وأتقنت القناة القطرية تمرير الحضور الاعلامي السياسي لدولة الاحتلال بكل "خبث سياسي"، حيث يتم احضاره ليقول عداءا سياسيا ورواية تاريخية كاذبة، ثم يخرج المذيع، انثى أم ذكر، لزيادة الاثارة وتمرير الخدعة بمقاطعة ممثل الكيان، بصوت غاضب وانفعال ينتهي فور انتهاء العنصر الاحتلالي من ايصال رسالته..
وبعد أنفرضت القناة القطرية حضورها الجماهيري وتأثيرها السياسي، انطلقت قنوات عربية اخبارية جديدة، ونجحت في كسر الاحتكار القطري، دون أن تفقده الجماهيرية الأساسية، بل أن القنوات الجديدة سارت عمليا على بعض "القواعد"، وخاصة احضار دولة الاحتلال الاسرائيلي الى المشهد بذات الخدعة "الرأي الآخر"..
ورغم انكشاف حقيقة القناة القطرية، وارتباط الخدعة السياسية بفتح الباب لممثلي دولة الكيان الحضور الدائم على شاشة القناة، الا أن "القنوات" الجديدة غير القطرية، واصلت ذات اللعبة الاسرائيلية، وخلال سنوات وهي تواصل فتح الباب لممثلي المحتل في الحضور لمواجهة الفلسطيني تحت مسمى "الرأي الآخر"..وهي الكذبة الكبرى التي كانت شرطا لتأسيس القناة اياها، لكنها افتراضا لم تكن شرطا لكل ما تم اطلاقه لاحقا من قنوات..
ولو افترضنا "حسن النوايا" في المسألة الاعلامية خلال مرحلة الاعتقاد بالمفاوضات خيار سياسي لحل الصراع العربي والفلسطيني مع الكيان، وان دولة الاحتلال يمكنها قبول تسوية تاريخية  وصولا لسلام "شامل وعادل"، كما يقال، لكن السنوات اللاحقة كشفت أن تلك أمنية لم تعد قابلة للحياة في ظل سيطرة الفاشية العنصرية على الكيان الاحتلالي..
ولأن المسألة لم تعد شعارا تعبويا يمكن للبعض أن يسخر منه، تماشيا مع نشر "الليبرالية الكاذبة" لتمرير صوت الاحتلال عبر الفضاء العربي، خاصة في الوقت الراهن وبعد انكشاف كل ملامح المؤامرة على المنطقة، بات ضروريا انتهاء "عهد الرأي الآخر" المسموح لدولة الكيان في الفضاء العربي، وليذهب من يحب معرفة موقف الكيان الى اعلامه المعلوم مسبقا انه اعلام معادي..
نتطلع الى القنوات العربية، غير القطرية، ان تنهي عصر "الخدعة التي زرعتها القناة الصفراء" منذ تسعينيات القرن الماضي..وأن تكف عن استضافة اي ممثل لدولة الكيان لا مباشرا ولاهاتفيا..كفى وانتهى الأمر..
انها المقاطعة الاعلامية، خاصة والقدس المفترض انها "عروس العروبة" و"قدس الأقداس" تتعرض لانتهاك يومي وتحضر ليس لتقسيم أماكنها المقدسة المسيحية والاسلامية بل لهدمها من أجل اعادة بناء "هيكلهم" مكانها..مخطط كان ثمن رفضه حياة الخالد ياسر عرفات بعد قمة كمب ديفيد عام 2000..
وهنا نتطلع الى نقابة الصحفيين في فلسطين، والاتحاد العام للكتاب بالعمل سريعا مع كل الأطر العربية الشقيقة لوقف تلك "الخدعة الكبرى"، وانتهاء "عصر تمرير ثقافة الاحتلال والعنصرية" تحت يافطة " الرأي الآخر"..الاحتلال احتلال وفقط يستحق المقاومة ولا غير..
إنها معركة سياسية اعلامية يجب أن تكون أولوية لكل كاتب وصحفي عربي في اطار المواجهة الكبرى مع المشروع الاستعماري – الاحتلالي العام، ليس في فلسطين وحدها بل للوطن العربي الكبير..كما غنينا له يوما، ولا زلنا نغني حتى لو كان العدد أقلية!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق